بقلم النائبة: أميره أبو شقة
لم تنتهِ بعد، تلك الآثار المُدَوِّية لإلغاء مباراة القمة بين الزمالك والأهلي في الدوري الممتاز لكرة القدم، التي كان من المقرر إقامتها مساء الثلاثاء الماضي، بعد تغيُّب فريق القلعة الحمراء عن أرض الملعب!
أيًّا تكن أسباب الانسحاب، فإن ما حدث يعد «مهزلة كروية» و«مشهد عبثي»، يؤكد فشل كل أطراف المنظومة الكروية، ما يستوجب محاسبة المسؤولين، الذين يُفترض فيهم التصرف بحكمة ومسؤولية.
على مدار أيام، تابعنا بعض البيانات، التي تحاول التنصل من المسؤولية، لكنها في الحقيقة، تدغدغ مشاعر الجماهير، وتغذي التعصب، كما تعزز انقسام المجتمع، الذي يعشق لعبة كرة القدم إلى حد الهَوَس والجنون، تزامنًا مع ظل ضعف القرارات وتحدي تنفيذ اللوائح والقوانين، وكذلك عدم احترام صناعة كرة القدم.
لعل ما أثار انتباهي، ما نشرته الصحافة العالمية، من تقارير عن مباراة القمة، كان أبرزها ما عنونته صحيفة «ماركا» الإسبانية، «فضيحة في كرة القدم المصرية»، وهو أمر محزن للغاية، يحتاج إلى وقفة فورية.. حازمة وحاسمة.
ما أود التأكيد عليه، هو أنني لستُ بصدد الحديث عن أندية، بقدر ما أود الإشارة إلى أن الرياضة ـ أي رياضة في العالم ـ لها جماهير ينتمون إليها ويشجعونها بحماس وانتماء، أما أن تتحول إلى تعصب ونكبة، بدلًا من الاستمتاع بها، أو بداية لعزوف الناس عنها، وانصرافهم عن التشجيع، فهذا أمر يتنافى مع مبادئ الرياضة.
إننا بالفعل أصبحنا نعيش حالة متزايدة من الاحتقان والتعصب «المُلَوَّن» في الوسط الرياضي المصري، لا يمكن إنكارها، لتنعكس آثارها المباشرة على الجماهير، بكافة توجهاتها وانتمائها، خصوصًا في رياضة كرة القدم.
بكل أسف، المشهد الرياضي أصبح كارثيًّا، ليس بسبب تلك المبارة الملغاة، ولكن لأنها فتحت جراحًا غائرة ومرضًا سرطانيًّا، يجب استئصاله، بدلًا من المسكِّنات، التي لم تعد تجدي نفعًا!
وبما أن الرياضة أخلاق، فهي إذن غير محصورة في كرة القدم فقط، والتي هي بالمناسبة «لعبة» للترويح عن النفس..نمارسها ونتابعها ونشاهدها للاستمتاع فقط، وليست حربًا أو «خناقة»، أو تصفية حسابات!
خلال الفترة الأخيرة أصبح حديث الرياضة «صباحًا ومساءً»، تلك الأزمات المتعلقة بعدم تطبيق اللوائح وتنفيذ القوانين، يمارسها «مسؤولون» لا يدركون الآثار الناجمة عنها، داخليًّا وخارجيًّا، ولم تعد الرياضة منافسة شريفة، بقدر ما أصبحت حلبة صراع، تتعدى المسؤولية والمهنية!
تلك الأزمات الرياضية ـ التي لا تحدث إلا في مصر ـ باتت مسرحًا للاصطفاف المتطرف، وتغذية الكراهية، والاحتقان الجماهيري، وتبادل الاتهامات، وتكوين جبهات، للقصف بالبيانات، وتفجير الأزمات، وتبادل طلقات السباب والشتائم والتهكم والسخرية.. وحتى الخَوْض في الأعراض!
نتصور أن ما حدث يعد جرس إنذار، لأن الأمور لا تحتاج مزيدًا من الاحتقان، خصوصًا أن المتابع أو المشجع، أصبح أذكى مما نتوقع، كما بات الجهل باللوائح والأنظمة والقوانين عَيْبًا تتسم به مؤسسات رياضية وإعلامية، لينسجم مع ثقافة اللاوعي المنتشرة عند أغلب المنتسبين لتلك الكيانات!
لذلك يجب الإقرار بأنه ليس لدينا فى مصر حالة رياضية ناجحة بشكل يكفي لتبرير كل هذا الضجيج الذي يُغرق الجماهير والمشجعين أو الوسط الرياضي، في صراعات عبثية لا طائل منها، ولا يبدو أنها ستسفر أبدًا عن منتصر أو مهزوم!
إن ما تابعناه من ضجيج مستمر، خلال الأيام الماضية، تخطى الانفلات والتجاوزات وشد الأعصاب ومفاقمة التوتر، لتتحول الرياضة ـ خصوصًا كرة القدم ـ إلى مصانع للفتنة، وإنتاج للتعصب والكراهية والتحريض، وتصدير فائض من التمييز وتشويه الحقائق واختلاق الذرائع!
أخيرًا.. للأسف، بدلًا من التركيز على كل ما هو رياضي وتنافسي وإيجابي، أصبح لدينا اهتمام كبير بتأجيج التعصب والكراهية، والنتيجة أن الرياضة في مصر تعاني بالفعل من تراجع حادٍّ في الأداء، وتدنِّي المستويات والطموح، تزامنًا مع غياب المساءلة والشفافية، لذلك نحن في أمسِّ الحاجة إلى حالة من «التطهير» و«التجديد» في تلك المنظومة، بشكل علمي ومنهجي واحترافي، لمنع «مهرجانات» التعصب واحتقان الجماهير.