المولد النبويّ الشريف اليوم الذي غير مسار البشرية بأسرها

كتبت: دعاء سيد

يُعَدُّ المولد النبوي الشريف من أهم المناسبات الدينية في العالم الإسلامي، حيث نحيي ذكرى ميلاد النبيّ محمد(ﷺ)، الذي وُلِد في “12 ربيع الأول” من عام الفيل، وهو اليوم الذي غير مسار البشرية بأسرها، تحتل هذه المناسبة مكانة كبيرة في قلوبنا، فهي تمثل بداية رسالة الإسلام التيّ جاءت بالعدل والرحمة والمساواة.

وُلِدَ النبيُّ (ﷺ) في مكة المكرمة في عام الفيل، العام الذي حاول فيه أبرهة الحبشي هدم الكعبة؛ لكن اللّٰه حمى بيته الحرام بمعجزة الطير الأبابيل، جاء ميلاد النبيّ (ﷺ) ليكون إيذانًا بقدوم نبيّ آخر الزمان، الذي سيُخرج البشرية من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، تربى النبيُّ (ﷺ) يتيمًا بعد وفاة والده قبل ولادته، وتوفيت أمه “آمنة بنت وهب” وهو في السادسة من عمره؛ ليكفله جده “عبد المطلب” ثم عمه “أبو طالب”.

نشأ النبيُّ (ﷺ) في مكة وسط بيئة مليئة بالأخلاق الجاهلية والعبادات الوثنية؛ لكنه تميز منذ صغره بالصفات الحميدة مثل الصدق والأمانة، مما جعله محبوبًا وموثوقًا بين قومه، اشتغل بالتجارة في شبابه وكان يعمل مع عمه في رحلات تجارية إلى الشام، التقى بالسيدة “خديجة بنت خويلد” التي طلبت منه إدارة تجارتها، وأعجبت بأخلاقه فتزوجته وكان عمره “25” عامًا وهي أول من آمن برسالته.

عندما بلغ النبيُّ (ﷺ) سن الأربعين، بدأت أولى علامات النبوة بالظهور، وكان يعتزل في غار حراء للتأمل، هناك نزل عليه الوحي لأول مرة بواسطة الأمين “جبريل عليه السلام”، وكانت أولى كلمات الوحي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، بدأت رسالته السرية بالدعوة إلى توحيد اللّٰه وعبادته وحده، ثم جهر بها بعد “ثلاث سنوات” لتبدأ رحلة طويلة من الدعوة والإصلاح.

واجه النبيُّ (ﷺ) وأتباعه الكثير من المصاعب والاضطهاد على أيدي قريش، حيث حاربتهم بكلِّ الطرق لوقف الدعوة الإسلامية، شملت هذه المرحلة الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فُرض على بني هاشم، والذي استمر “ثلاث سنوات”، ورغم هذه التحديات ظل النبيّ (ﷺ) ثابتًا في دعوته، داعيًا إلى الإيمان باللِّه ونبذ الشرك.

بعد اشتداد الأذى في مكة، أُمر النبيَّ (ﷺ) بالهجرة إلى يثرب (المدينة المنورة)، وكانت هذه الهجرة بداية تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة، أقام النبيُّ (ﷺ) مجتمعًا إسلاميًا متماسكًا مبنيًا على الإخاء بين المهاجرين والأنصار، ووضع أسس التعايش السلمي مع اليهود وغيرهم من القبائل، وتعتبر هذه المرحلة من أهم مراحل الإسلام، حيث انتشرت الدعوة بقوة وأسس فيها المسلمون دولة قوية قائمة على العدالة والمساواة.

شهدت السنوات التالية العديد من الغزوات والمعارك، مثل بدر وأحد والخندق، التيّ أثبت فيها النبيُّ (ﷺ) حكمته وحنكته العسكرية، في السنة الثامنة للهجرة، عاد النبيُّ (ﷺ) إلى مكة فاتحًا، حيث دخلها بسلام وعفا عن أهلها الذين طالما آذوه، وقال لهم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”، هذا الفتح كان نقطة تحول في انتشار الإسلام في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وفي العام الحادي عشر للهجرة، وبعد أن أتمَّ النبيُّ (ﷺ) حجة الوداع وألقى خطبته الشهيرة التيّ تضمنت تعاليم الإسلام النهائية، عاد إلى المدينة وبدأت تظهر عليه علامات المرض، توفي النبيُّ (ﷺ) في “12 ربيع الأول”، تاركًا وراءه أمة موحدة تقوم على أسس التوحيد والعدل.

يحتفل المسلمون في مختلف أنحاء العالم بذكرى المولد النبويّ الشريف من خلال إقامة الفعاليات الدينية والاجتماعية التيّ تشمل قراءة السيرة النبوية، وإنشاد القصائد والمدائح التيّ تمجد النبيَّ (ﷺ)، بالإضافة إلى توزيع الطعام والحلوى، هذه الاحتفالات لا تعد فقط فرصة للتذكير بحياة النبيِّ (ﷺ) وتعاليمه؛ بل هي أيضًا وسيلة لتقوية الروابط الاجتماعية والإيمانية بين أفراد المجتمع المسلم.

يعتبر المولد النبوي الشريف مناسبة عظيمة تتجدد فيها محبتنا للنبيِّ (ﷺ)، وتتيح لنا الفرصة لتأمل حياته واستلهام العبر من سيرته العطرة، فحياة النبيّ (ﷺ) تمثل نموذجًا يُحتذى به في جميع جوانب الحياة، بدءًا من الأخلاق العالية، مرورًا بالصبر والثبات على المبدأ، وانتهاءً بالقيادة الحكيمة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *