المتحف المصري الكبير… صرح يليق بعظمة مصر وحضارتها الخالدة

بقلم: اللواء سعيد حمادي 

رئيس مجلس إداره جريدة الجمهورية الجديدة

في قلب التاريخ، وعلى أطراف هضبة الجيزة، حيث تصافح الأهراماتُ السماء، وتهمس الرمالُ بأسرار آلاف السنين، يشق المتحف المصري الكبير طريقه كأيقونة جديدة في سجل الإنسانية، وكأنه الجسر الذي يربط بين مجد الأمس وعظمة الحاضر وطموح المستقبل.

ها هي مصر، أمّ الدنيا، تكتب فصلًا جديدًا من فصول الخلود بافتتاح المتحف المصري الكبير الذي يعد أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة، حضارة سطّرت أعظم قصة عرفتها البشرية.

هذا الافتتاح لا يمثل مجرد حدث أثري أو ثقافي، بل هو إعلان عالمي عن استمرار الدور المصري في صياغة الوعي الإنساني، وتجديد رسالة الحضارة التي انطلقت من ضفاف النيل قبل سبعة آلاف عام.

ملحمة بناء تتحدى الزمن

لم يكن إنشاء هذا الصرح مجرد مشروع معماري، بل ملحمة وطنية شارك فيها آلاف الأيادي المصرية، مهندسين وعمالًا وفنانين، توحدوا تحت راية واحدة وهي أن يقدموا للعالم متحفًا يليق بمصر وتاريخه، فمنذ أن وُضع حجر الأساس، كانت الرؤية واضحة وهي أن يكون المتحف المصري الكبير واجهة مصر أمام العالم، ومركزًا عالميًا للثقافة والمعرفة والهوية، وقد تحقق ذلك بالفعل في تصميم معماري مهيب يمزج بين الحداثة وجلال الماضي، حيث يمتد البناء على مساحة نصف مليون متر مربع، تعانق جدرانه الزجاجية ضوء الشمس وتطل مباشرة على أهرامات الجيزة، في مشهد يأسر الأنفاس.

كنوز لا تُقدر بثمن

يضم المتحف أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، تحكي قصة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ وحتى العصر اليوناني الروماني. من بينها روائع لم تُعرض من قبل، أعيد ترميمها بعناية فائقة داخل أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط.

وتتوج هذه الكنوز مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة، التي تُعرض لأول مرة مجتمعة منذ اكتشافها عام 1922، في قاعات صُممت خصيصًا لتعكس الدقة والفخامة التي تستحقها مقتنيات الفرعون الذهبي، كما يحتضن المتحف التمثال الأسطوري للملك رمسيس الثاني، الذي يستقبل الزائرين شامخًا في البهو العظيم، وكأنه يقول للعالم: “ها أنا ذا.. لم أزل حيًا في ذاكرة الزمن.”

إلى جانب ذلك، تحتضن قاعات المتحف قطعًا نادرة من تماثيل الملوك والملكات، ومومياوات ملكية، ونقوشًا حجرية، وأدوات من الحياة اليومية التي تكشف كيف كان المصري القديم يصنع الجمال حتى في أدق تفاصيل حياته.

تكنولوجيا تربط الماضي بالمستقبل

لا يكتفي المتحف بعرض الآثار في صمت؛ بل يرويها بصوت العصر، فبفضل أحدث تقنيات العرض والتصوير ثلاثي الأبعاد والإضاءة الذكية، يستطيع الزائر أن يعيش تجربة فريدة يتفاعل فيها مع التاريخ، فيشاهد كيف بُنيت الأهرامات، وكيف كتب المصريون لغتهم المقدسة، وكيف كانت طقوسهم وحياتهم اليومية.

بهذه الرؤية الحديثة، لا يقدم المتحف المصري الكبير الماضي فحسب، بل يُعيد إحياءه بروح المستقبل.

وجه مصر أمام العالم

افتتاح المتحف المصري الكبير هو حدث يتجاوز الجغرافيا والحدود، لأنه يُعيد رسم صورة مصر أمام العالم كدولة قادرة على الإبداع، حافظة لتراثها، ومؤمنة برسالتها الحضارية، فالمتحف أصبح رمزًا لقوة مصر الناعمة، وجسرًا للتواصل بين الشعوب، ووجهة سياحية وثقافية ستعيد للقاهرة مكانتها كعاصمة للتاريخ الإنساني.

ومن خلاله، تؤكد مصر أنها لا تكتفي بأن تكون صاحبة أول حضارة، بل ما زالت رائدة في الحفاظ على التراث وتقديمه برؤية معاصرة.

إنه مشروع القرن الذي يبرهن أن مصر، رغم التحديات، ما زالت قادرة على أن تُبهر العالم، وتُعيد تعريف معنى المجد.

رسالة إلى الإنسانية

المتحف المصري الكبير ليس ملكًا لمصر وحدها، بل هو هبة للعالم أجمع؛ فهو دعوة مفتوحة للإنسانية لتتأمل، وتتعلم، وتستلهم من قصة أمةٍ علمت الدنيا معنى البناء والإيمان والخلود.

كل قطعة داخله هي نبضة من قلب التاريخ، وكل قاعة فيه تحمل شهادة على عبقرية الإنسان المصري الذي واجه الزمن بالإرادة والإبداع.

وبين جدران المتحف، تمتزج رائحة الحجارة القديمة بأنفاس الحاضر، لتقول لكل من يزوره: هنا بدأت الحكاية… وهنا ما زالت تُروى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *