كتبت: دعاء سيد
حين يضع اللُّه في قلبك حبًّا لطريق الخير، أو رغبة في السير على درب الحق، فاعلم أن هذا اختيار إلهي لا يأتي عبثًا؛ بل هو منحة ربانية وعلامة محبة من اللِّه -عز وجل- لعبده، فليس كلّ من عرف الحق يُيسَّر له اتباعه، ولا كلّ من سمع الهدى يُلهمه اللُّه العمل به، وإنما يختار اللُّه من عباده من شاء ليوفقه، ويهديه إلى سبيله المستقيم،قال اللُّه- تعالى-:﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ (النور: 35).
فالهداية ليست ذكاءً ولا حيلةً؛ بل هي نور يقذفه اللُّه -تعالى- في القلب لمن أحبّه واصطفاه، وقد قال النبيُّ (ﷺ):”من يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّين”(متفق عليه)، وهذا دليل على أن اللَّه إذا أراد بالعبد خيرًا فتح له أبواب الفهم، ويسَّر له السبل، وجعل قلبه مطمئنًا بالإيمان والعمل الصالح.
وقد تمرّ في هذا الطريق بالعقبات والابتلاءات، فتظن أن اللَّه قد تخلى عنك، ولكن الحقيقة أن البلاء علامة العناية، لا علامة الإهمال، فاللُّه -تعالى- يختبر من أحبّه ليصقله ويقرّبه، قال -تعالى-:﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت: 2)، فالصعوبات ليست صدًّا عن الطريق؛ بل هي مراحل تربيةٍ إلهية، تُعدّك لتكون أهلًا لما ينتظرك من فضل وثبات، فإن رأيت نفسك ما زلت متمسكًا رغم التعب، فاعلم أن اللَّه هو من يُعينك، وأنه سبحانه قد تكفّل بأنّ لا يتركك وحدك، قال اللُّه -عز وجل-:﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾(العنكبوت: 69).
إن طريق الطاعة ليس سهلاً، لكنه أجمل طريقٍ تسلكه الروح؛ لأن السائر فيه لا يسير وحده، اللُّه معه يُثبّته حين يضعف، ويُعينه حين يتعب، ويُنير له حين تظلم الدنيا في عينيه، وقد قال اللُّه-عز وجل- في الحديث القدسي:”وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها…”(رواه البخاري)، أي أن من أحبّه اللُّه سخّر له جوارحه كلّها في طاعته، وجعل له عونًا لا ينقطع.
فاثبتْ — يا من اختارك اللُّه لطريق الطاعة — ولا تلتفت إلى تعب الطريق، فإن الذي هداك إليه إمّا أن يُيسّره لك، أو يُعينك عليه، ثق أن كل خطوة تقطعها في هذا الدرب يكتبها اللُّه لك نورًا ورفعة، قال اللُّه -تعالى-:﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾
(فصلت: 30).
إن اللَّه إذا أحب عبدًا اختاره لطريقٍ يُقرّبه منه، ثم يسّره له أو أعانه عليه، حتى يبلغ به مقامات الرضا واليقين، فاحمد اللَّه على أن جعلك من السائرين، واطلب منه الثبات، كما كان يدعو النبيَّ (ﷺ) دائمًا:”يا مُقلِّب القلوب، ثبّت قلبي على دينك”(رواه الترمذي)، فما أجمل أن يكون اختيارك من اللِّه، وسعيك للِّه، وعونك من اللِّه، وغایتك رضاه.