السياسة والإعلام مرة أخرى

بقلم: اللواء تامر الشهاوى

مؤخرًا صدر عن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، تصريحات بشأن الإعلام والدراما، وجاء ذلك عقب تصريح الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية، والذي كرّم و”بذكاء شديد” الفنان سامح حسين، وأثنى على برنامجه اليوتيوبري واسع الانتشار والشديد التأثير، وهذا التكريم يعني بالضرورة نظرة الرئيس لباقي محتويات دراما رمضان واختياره «قطايف» سامح حسين، هو إشارة للقائمين على الإعلام أن سامح حسين نجح نجاحًا مدويًّا بلا أدنى إمكانيات في مقابل مليارات تنفق بلا أي عوائد أدبية أو اجتماعية أو إنسانية أو حتى مادية.

تصريحات الرئيس السيسي وانتقاده للإعلام لم تكن الأولى بل هى انتقادات متكررة، وربما كنت من أوائل من نبه إلى تلك الكارثة عام ٢٠١٩، وتحدثت فيها على كل المستويات سواء العلنية من خلال الإعلام والسوشيال ميديا أو من خلال استخدامي للأدوات البرلمانية بمطالبتي بعودة وزارة الإعلام حتى عادت بقيادة الوزير أسامة هيكل، وتحملت فى سبيل ذلك تجاوزات وخروج عن النص من بعض المنتفعين وأصحاب المصالح، والذى انتهى ببلاغ مني إلى النائب العام.

هذا الأمر لم يقتصر على ما صرحت به فقط، ربما كنت أول من اصطدم وتحدث علانية في هذا الموضوع لخطورته الداهمة من وجهه نظر الأمن القومي، ولكن كان للأمر صدى كبير عند الكثير من المهتمين بالشأن من كتاب وصحفيين وشخصيات عامة وسياسيين منهم على سبيل المثال وليس الحصر وحيد حامد والدكتورة لميس جابر ونصر القفاص وحسام بدراوي مع احترامي للألقاب طبعًا، وعشرات غيرهم ووصل الأمر من السخافة أن يقوم الإعلام بما فيه إعلام الدولة ممثلًا في ماسبيرو بمهاجمة وزير الإعلام أسامة هيكل الذي انتقد بشده ما يحدث في الإعلام مما دفعه إلى تقديم استقالته!

والغريب والعجب العجاب والذي لم نراه من قبل ولا أتصور أننا سنراه مرة أخرى تلك المهارة الفائقة واحسدهم عليها التي يتمتع بها البعض لصناعة الأعداء وتحويل الموالاة إلى أعداء ومعارضة بدون سبب أو لأسباب واهية إلا أنها تحمل داخلها كل أسباب الغل والحقد والكراهيه فقط ولا شئ آخر.

عندما قال الرئيس يومًا “إني أحسد عبد الناصر على إعلامه”، مؤكد لم يكن يعني المقارنة من حيث الأدوات أو حتى الأسلوب، لكن كان يعني المقارنة من حيث الحشد والتوجهه والذكاء في إدارة الملف لأن من المؤكد أن أدوات تشكيل الوعي في الخمسينات والستينات، والتي تتمثل في الصحف والمنشورات والصالونات الثقافية ثم مؤخرًا الإذاعة ثم التلفزيون تختلف تمامًا عن أدوات الألفية الثلاثة التي تمكن أي مواطن من اختيار ما يريد مشاهدته أو سماعه بمجرد كبسه زر سواء من محموله الشخصي أو ريموت الريسيفر، وهذا ما حذرت منه ومعي آخرين من خطورة انصراف المصريين عن القنوات المصرية وانجذابهم للقنوات المعادية، وأدعي أن هذا ما يحدث منذ فترة ليست بالقليلة.

بالضرورة أن الإعلام والدراما يعكسان الواقع المجتمعي ويقدمان معالجات للقضايا الاجتماعية والإنسانية ويستلهم القصص والأدبيات من النخب والشارع ولكن ما استغربه وأعتقد أن الجميع لا يختلف معي أن هناك انتقادات واسعة للأعمال الدرامية لأنها تحتوي على مشاهد عنف وبلطجة ولغة سوقية، ومؤكد أننا جميعًا ننتقد هذه المشاهد .

لكننا لم نسأل أنفسنا لماذا يهرع الكتاب والسينمائيون إلى هذه النوعيه ؟؟؟؟، ولماذا هذه النوعية هى ما تلقى إعجاب الجمهور وشباك التذاكر ونسب المشاهدة؟، أملك إجابات بالطبع، وعلى رأسها نوعية النخب وسلوكياتها التي يتم تصديرها للمواطنيين في الواقع اليومي، وبعضها برعاية رسمية أو شبه رسمية!!!! وبالطبع نحن أمام شباب يسعى لتكوين نفسه ويجاهد في ظل ظروف وفرص ضئيلة فطبيعي جدًا أن ينجذب إلى تقليد تلك النخب لتحقيق ذاته وثراء سريع، وطبعا لو وضعنا في الاعتبار الثقافة المتردية للسواد الأعظم فتصبح الإجابة على التساؤل أكثر منطقية.

التصريحات الأخيرة كانت متوقعة خاصة بعد التغييرات “العنيفة” التي طالت الإعلام في الفترة الأخيرة، ولها أسبابها، وإن كان أغلب الأسباب لا يجوز طرحها “علنًا”، ولكن المؤكد أن هناك ثورة تصحيح يقودها الرئيس السيسي بنفسه فى المسار الإعلام، وأيضًا في المسار السياسي الداخلي في محاولة للحفاظ على تماسك ونسيج شعبي وطني منضبط في مواجهة مخاطر وتحديات قادمة متوقعة، وطبعًا لم يخلو الأمر من قيام بعض الإعلاميين والصحف والمواقع بابراز هذه التصريحات، وكأن الرئيس يتحدث عن ناس آخرين وليس عنهم، وسبحان الله، يقوموا بمهاجمة الإعلام !!! حاجة كده لا توصف إلا أنها شيزوفرينيا إعلامية أو بالأحرى سلوك مقزز.

أهمس في أذن دولة رئيس الوزراء أن الإصلاح لن ينطلق من ماسبيرو فقط ولا من أي كيان آخر لوحدهما، ولكن يجب أن ينطلق من خلال مشروع تنموي يشارك فيه جميع الوزارات والمؤسسات المعنية ويكلف الإعلام بالترويج له والإسراع بتطبيق الحوكمة الرشيدة بتوجيه الأنشطة والقرارات بمبادئ الشفافية، والمساءلة، والعدالة، والمشاركة، والفعالية لضمان إدارة فعالة ومسؤولة للمؤسسات والهيئات، مما يعود بالنفع على الدوله والمواطنين.

يا دولة رئيس الوزراء إجابة السؤال هى بداية الحل “لماذ وكيف نجح «قطايف» فيما فشل فيه الآخرون؟؟؟”

حفظ الله مصر وحفظ الله الجيش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *