السعي والرضا في ميزان اللِّه

كتبت: دعاء سيد

في رحلة الحياة نجد أنّ الناس ينقسمون إلى صنفين، الأول يسعى ويجتهد بكلِّ ما أوتي من قوة، يعمل ليل نهار ويعافر في طريقه ولا يترك بابًا إلا ويطرقه، وهو نموذج يعكس عدل اللَّه -سبحانه وتعالى- في منح الرزق لمن يسعى، والثاني شخص نيته طيبة راضٍ بما قسمه اللُّه -تعالى-، يساعد بقدر استطاعته فيناله من رحمة اللِّه -عز وجل- ما لا يخطر على قلبه، وهذا يوضح لنا أنّ الدنيا تتوزع بين عدل اللِّه ورحمته، وكلٌ يأخذ نصيبه وفقًا لحكمة اللِّه -عز وجل- وتقديره.

يؤكد الإسلام على أهمية السعي والعمل، حيث جعل اللُّه -سبحانه وتعالى- الكون قائمًا على الأخذ بالأسباب، قال -تعالى-:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(الجمعة: 10)، وهذا يدل على أن السعي والبحث عن الرزق عبادة لا تتعارض مع التوكل؛ بل إنّ العمل هو تجسيد للتوكل الحقيقي، فقد قال النبيُّ (ﷺ):”لو أنكم تتوكلون على اللِّه حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا” (رواه الترمذي)، فالطير لا تبقى في أعشاشها تنتظر الرزق؛ بل تخرج وتسعى ثم يعود اللُّه -تعالى- عليها برزقه.

أما الصنف الثاني، فهو الذي يملأ قلبه بالرضا ويتوكل على اللِّه -تعالى- بقلبٍ مطمئن ويساعد غيره بالمتاح لديه، فيناله من رحمة اللِّه -سبحانه وتعالى- ما لا يتوقعه، قال النبيُّ (ﷺ):”إن اللَّه يحب العبد التقي الغني الخفي” (رواه مسلم)، والغنى هنا لا يعني المال فقط؛ بل غنى النفس والرضا بما كتبه اللُّه -سبحانه وتعالى- وهو ما يجعل الإنسان في حالة من السكينة التيّ تجلب له الخير دون أن يشعر، وفي حديثٍ آخر قال النبيُّ (ﷺ):”من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” (رواه الترمذي)، وهذا الحديث يلخص معنى الرضا، فالدنيا بأسرها لا تساوي شيئًا أمام نعمة الأمن والصحة والقوت.

السعي والرضا ليس هناك تعارض بينهما؛ بل يمكن للإنسان أن يجمع بينهما فيسعى ويجتهد لكن دون أن يرهق قلبه بالقلق؛ بل يكون راضيًا عن نصيبه عاملًا بالأسباب مستمسكًا باليقين أنّ اللَّه -سبحانه وتعالى- لا يضيع أجر من أحسن عملًا، قال -تعالى-:{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} (هود: 6)، فلا يعني السعي أنّ الإنسان وحده من يصنع رزقه؛ بل إنّ اللَّه -تعالى- هو الذي يرزق ولكن الإنسان مأمور بالسعي؛ ليكون أهلاً للعطاء الإلهي.

ختامًا، نسأل اللُّه -سبحانه وتعالى- أن يكتب لنا نصيبًا من رزق الساعين ورحمة الراضين، وأن يرزقنا البركة في الدنيا والنجاة في الآخرة كما قال النبيُّ (ﷺ):”اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا” (رواه الترمذي)،اللهم ارزقنا حسن السعي وجميل الرضا، واكتب لنا عوضًا في الدنيا وثوابًا في الآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *