الرياح جند من جنود اللِّه

كتبت: دعاء سيد

الرياح من أعظم آيات اللِّه في هذا الكون، وهي مخلوقٌ مسخَّرٌ بأمر اللِّه -تعالى-، تُرسَل لحِكم عظيمة ومقاصد ربانية، فقد تكون رحمةً ونفعًا، وقد تكون عذابًا ونقمةً، فهي جندٌ من جنود اللِّه يُسلِّطها كيف يشاء ومتى يشاء، لا تخرج عن طاعته، ولا تعصي له أمرًا.

ذكر اللُّه -تعالى- الرياح في مواضع كثيرة من القرآن، منها ما يدلّ على أنّها سبب للخير والرحمة، ومنها ما يدلّ على أنها وسيلة للعقاب والتدمير، قال اللُّه -تعالى-:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِن رَّحْمَتِهِ}(الروم: 46)، فهذه الآية تبين أنّ الرياح من آيات اللِّه، تُرسل بالبُشرى بنزول المطر وتدل على رحمته بعباده، وفي موضع آخر جعل اللُّه الرياح وسيلة لعذاب قومٍ عصوا أمره، فقال تعالى:{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}(الذاريات: 41-42)، فكانت الرياح في هذه الآية جندًا من جنود اللِّه سلّطها على قوم عاد فدمرتهم، وقال تعالى أيضًا:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}
(فصلت: 16)، وهذا تأكيد أن الرياح قد تكون عذابًا شديدًا بأمر اللِّه لمن كفر وتكبر.

وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبيِّ (ﷺ) تُبيِّن مكانة الرياح، وضرورة اللجوء إلى اللِّه عند هبوبها، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم: حيث قال النبيُّ (ﷺ):”الرِّيحُ مِن رَوْحِ اللَّهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا”، وهذا الحديث الشريف يُعلِّمنا الأدب مع آيات اللِّه، فلا يجوز سبّ الرياح؛ بل يجب علينا الدعاء عند هبوبها، وطلب خيرها والاستعاذة من شرّها.

إن أعظم دليل على أن الرياح جند من جنود اللِّه أنها لا تتحرك إلا بأمره وتسير وفق مشيئته، فلا تخضع لقوة البشر ولا لتحكمهم؛ بل هي مظهر من مظاهر القدرة الإلهية، وقد استخدمها اللُّه -سبحانه وتعالى- لنصرة أوليائه، كما في قوله تعالى عن غزوة الأحزاب:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا}(الأحزاب: 9)، فكانت الريح في هذه المعركة نصرة للمؤمنين، وهزيمة للكافرين.

إن الرياح مخلوقٌ عظيمٌ من مخلوقات اللِّه، وجندٌ من جنوده، يُرسلها بالرحمة أو بالعذاب، بالنفع أو بالضرر، فهي في كلِّ أحوالها خاضعة لأمر اللَّه وتدبيره؛ فلنتأمل في هذا الجند الإلهي، وأن نخشع لعظمة خالقه وندعوه عند هبوب الرياح، سائلين خيرها ومستعيذين من شرها، كما علمنا رسولنا الكريم (ﷺ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *