كتبت: دعاء سيد
لقد أكرم اللُّه -تعالى- البشرية ببعثة نبيه محمد (ﷺ)، فأخرجهـا من ظلمات الجهل والقسوة والغلظة إلى نور الرحمة والرفق واللين، وجعل رسالته رسالة رحمة عامة للناس جميعًا، قال تعالى:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، فما من خُلُق أحبّ إلى قلب النبيِّ (ﷺ) من خُلق الرحمة والرفق، فقد كان يتعامل به مع الصغير والكبير، مع الصديق والعدو ومع القريب والبعيد، ومن تأمل سيرته (ﷺ) أدرك أن هذا الخلق النبيل هو أحد أسرار نجاح دعوته وانتشارها.
لقد واجه النبيُّ (ﷺ) أذى شديدًا من قومه في مكة، ومع ذلك لم يقابل أذاهم بالغلظة ولا بالانتقام؛ بل صبر وعفا وكان رفيقًا في دعوته، يختار أحسن الأساليب وألين الكلمات، ويشهد على ذلك قوله تعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: 159]، وهذا يدل على أن سرّ اجتماع القلوب حول النبيّ (ﷺ) هو لين جانبه ورفقه، لا شدته ولا قسوته.
كان (ﷺ) يعامل الصحابة كأبٍ حنون، يلاطفهم ويشاركهم آلامهم وأفراحهم، وإذا أخطأ أحدهم لم يُعنّفه بشدة؛ بل كان يصحح خطأه برفق ولين، ومع الأطفال كان يُقبّل الحسن والحسين -رضى اللُّه عنهما-، ويحمل أمامة بنت ابنته وهو قائم في الصلاة، ويقول: «مَن لا يَرحم لا يُرحم» [رواه البخاري ومسلم]، مع النساء أوصى(ﷺ) بهن خيرًا، فقال (ﷺ): «استوصوا بالنساء خيرًا» [رواه البخاري ومسلم]، ومع الأعداء كان أروع مثال على ذلك موقفه يوم فتح مكة، حينما قدر على من آذوه وأخرجوه من دياره، لكنه عفا عنهم وقال (ﷺ): «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وقد وردت أحاديث كثيرة تُبين منزلة الرفق وفضله، ومنها قوله (ﷺ):«إن اللَّه رفيق يحب الرفق في الأمر كله» [رواه البخاري ومسلم]، وقوله (ﷺ):«ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه» [رواه مسلم]، فهذه الأحاديث تجعل من الرفق قاعدة عامة في تعامل المسلم مع أهله وأولاده وجيرانه ومعاملاته اليومية.
في زمان كثرت فيه الفتن والمشاحنات، واشتدت فيه الخلافات بين الناس، نحن أحوج ما نكون إلى إحياء خُلق الرفق الذي أوصى به النبيّ (ﷺ)، فالمعلم يحتاج إلى الرفق مع طلابه، والوالد مع أبنائه، والمسؤول مع من تحت يده؛ بل وحتى في حوارنا مع المخالفين في الرأي، الرفق واللين هو الطريق إلى كسب القلوب وإصلاح النفوس.
لقد جسّد النبيُّ (ﷺ) الرفق واللين في أبهى صوره، فكان بالفعل رحمةً مهداة للعالمين، وصدق فيه وصف اللّٰه -تعالى-:﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، فصلوات ربي وسلامه على من علّم البشرية معنى الرحمة، وعلى من قال فيه ربه: “وإنك لعلى خلق عظيم”.