الرحلة الإعجازيه…..وقت اتصال الأرض بالسماء

كتبت: دعاء سيد

تُعدّ رحلة الإسراء والمعراج من أعظمِ معجزاتِ النبيّ محمد(ﷺ)، للتخفيفِ والتسرية عنه(ﷺ) بعد طولِ حزنهِ؛ لما كابده من ظلمِ قومهِ وعدوانهم، وما تبِعَ ذلك من وفاةِ عمّهِ «أبي طالبٍ»، وزوجتهِ «خديجة» _رضي الله عنها_ في عامٍ واحدٍ؛ ممّا جلب الحزن والهمّ للنبيّ(ﷺ)، فأراد اللّٰه -تعالى- أن يُخفّف على نبيّهِ حزنه؛ فيريَه ألوان قدرتهِ بإعلائهِ في طبقاتِ السماءِ العُليا، وما رافق ذلك من رؤيتهِ للجنةِ والنار وغيرهما، فقد أُسري بهِ (ﷺ) من المسجدِ الحرامِ في مكةِ إلى المسجدِ الأقصىٰ في القدسِ، ثم عُرج بهِ إلى السماواتِ العُلىّ في ليلةٍ واحدةٍ، وتُمثّل هذه الرحلة المُباركة حدثًا فريدًا في تاريخِ الإسلام. ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [ الإسراء: 1]

أُسري بالنبيّ (ﷺ) من المسجدِ الحرامِ على دابّةٍ تُسمّى «البُراق»، برفقةِ «جبريل» _عليه السلام_ ، ووصل إلى المسجدِ الأقصىٰ في القدسِ حيث التقى بالأنبياءِ، وصلى إمامًا بهم، ثم عُرج بالنبيّ (ﷺ) من المسجدِ الأقصىٰ إلى السماواتِ العُلىّ، عندما وصل إلى السماء السابعة، واجه النبيّ محمد (ﷺ) اللّه مباشرةً في لحظةِ القُرب الأقصىٰ، كانت هذه لحظة اللقاء الأكثر تأثيرًا، حيث تحاور النبيّ مع اللِّه _تعالى_ وتلقى توجيهاتهِ السماوية، ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاس﴾ [الإسراء: 60].

سُرِيَ النبيّ (ﷺ) إلى سدرةِ المنتهىٰ، وهي شجرةٌ عظيمةٌ تمثل نهاية الكون الفاحش، وهناك شاهدَ النبي(ﷺ) آياتًا وعجائب أخرىٰ، مما يُظهر عظمة خلق اللّه وتنظيمه للكونِ، وهنا فُرضت عليهِ الصلوات الخمس _عماد الدين الإسلامي_ وهي مفتاح للتواصلِ المباشر مع اللِّه_تعالىٰ_ تعبيرًا عن العبوديةِ والانقيادِ لأوامرِ اللِّه، ثم عاد النبيّ (ﷺ) من رحلتهِ المباركة إلى المسجدِ الحرامِ في نفسِ الليلةِ، وتُظهر هذه الرحلة قدرة اللّٰه_تعالى_ على كلِّ شيءٍ، فهو قادرٌ على أن يُسرِيَ بنبيّه (ﷺ) من مكانٍ إلى آخر في لحظةٍ واحدةٍ.

يظهر لنا هذا الإعجاز الرباني كنقطة فارقة في حياةِ النبي (ﷺ)، حيث أظهرت رحلة الإسراء والمعراج التعمق الروحاني والقدرة الإلهية على تحقيقِ المعجزات، فهى ليست مجرد حدث تاريخي، بل هي تجربة فريدة أعطت النبيّ (ﷺ)والأمة الإسلامية فيما بعد رؤية عميقة للعالمِ الروحيِ والكون، ويترك هذا الحدث الخالد أثرهُ في قلوبنا ليذكرنا بقوةِ الإيمانِ والصمود في مواجهةِ التحديات.
تُؤكّد هذه الرحلة على إيمانِ النبيّ (ﷺ) الصادق، وصدقه في تبليغِ رسالتهِ، وتُبيّن أهمية المسجد الأقصىٰ عند اللّٰه_تعالى_ ومكانتهِ الدينية والتاريخية، وتُعلّمنا أيضًا أنّ الصبر والمثابرة هما مفتاح النجاح، فقد واجه النبيّ(ﷺ) العديد من التحدياتِ في حياتهِ، لكنّه لم يستسلم وظلّ مُثابرًا على إيمانهِ ودعوتهِ؛ فساعدت هذه الرحلة على تعزيز إيمان النبيّ (ﷺ) وتثبيتهِ في مواجهةِ التحديات وزادت من ثقتهِ (ﷺ) بنفسهِ وبدعوتهِ؛ فزاد إيمان المسلمين برسالةِ النبيّ (ﷺ)وقوّت عزيمتهم على مواجهةِ الأعداءِ.

ختامًا ستظل رحلة الإسراء والمعراج مصدر إلهامٍ دائم للمسلمين، تعلمهم قيم الصبر والثبات، وتجسد قوة الإيمان والتواصل الروحي مع اللّه، ويتعين على المسلمين أن يستلهموا من هذه الرحلة الرائعة لتعزيزِ إيمانهم وتحفيزهم لمواصلةِ الطريق الذي وُضِعَ لهم، فيجب التأكيد على أهميةِ ليلة الإسراء والمعراج في التاريخِ الإسلامي، والدعوة إلى التأمل في هذه الرحلة العظيمة وإحياء ليلتها بالعباداتِ والطاعاتِ المختلفة أبرزها: الصيام وإخراج الصدقات، والسعي لقضاء حوائجِ الناس والإكثار من الذكرِ والاستغفار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *