كتب: محمود عيد
يشهد العالم توسعًا متسارعًا في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي باتت أحد أبرز محركات التغيير في مختلف مجالات الحياة. وبينما تُقدّم هذه التكنولوجيا فرصاً ضخمة للابتكار وتعزيز الكفاءة، تبرز في المقابل مخاطر وتحديات تستوجب النقاش والوعي المجتمعي.
يمثل الذكاء الاصطناعي اليوم إضافة نوعية للقطاعات الحيوية، وفي مقدمتها القطاع الطبي، حيث تُسهم الأنظمة الذكية في تحليل البيانات وصور الأشعة بدقة عالية، ما يساعد الأطباء في تشخيص أمراض معقدة – مثل أمراض الرئة – والوصول إلى حلول علاجية أسرع. وفي قطاع التعليم، توفر التقنيات الحديثة أدوات مبتكرة تتيح متابعة مستوى كل طالب بصورة فردية، وتقديم محتوى تعليمي يتلاءم مع قدراته ووتيرة تعلمه.
وفي عالم الأعمال، تساعد الخوارزميات الذكية الشركات على تحليل كميات ضخمة من البيانات المالية والسوقية، ما يدعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية ويعزز الإنتاجية. وتشهد المدن الحديثة تطورات ملحوظة في إدارة الطاقة والموارد بفضل حلول الذكاء الاصطناعي التي تُسهم في تحسين الخدمات ورفع جودة الحياة.
ورغم هذه المكاسب، يثير الانتشار المتزايد للذكاء الاصطناعي عددًا من القضايا الحساسة. فهناك مخاوف من تراجع التواصل الإنساني نتيجة الإفراط في الاعتماد على كيانات افتراضية مصممة للتفاعل العاطفي، ما قد يدفع البعض إلى استبدال العلاقات الحقيقية بأخرى رقمية تُعمّق الشعور بالعزلة. كما تتصاعد التساؤلات حول الخصوصية وحماية البيانات، إضافة إلى الجدل حول المسؤولية القانونية عند وقوع أخطاء ناتجة عن قرارات آلية.
ولا يخلو الأمر من استخدامات سلبية قد تُنتج محتوى غير أخلاقي أو تُشجع على علاقات افتراضية منحرفة، وهي ممارسات تهدد البناء النفسي والأخلاقي للمراهقين والشباب، وتؤثر في فهمهم للعلاقات الواقعية.
وفي ظل هذه المعطيات، يبرز ضرورة تبنّي رؤية واعية تضمن الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي. ويتطلب ذلك تعزيز الوعي العام بحدود التقنية وإمكانياتها، وتشجيع الاستخدام المتوازن الذي يجعل الذكاء الاصطناعي وسيلة مساعدة لا بديلاً عن العلاقات الإنسانية والدعم النفسي الحقيقي. كما أن الاستثمار في تطوير الذات وتنمية المهارات الواقعية يبقى مفتاحاً للحفاظ على التوازن في زمن تتسارع فيه التحولات التكنولوجية.
بهذا النهج، يمكن للمجتمعات أن توظف الذكاء الاصطناعي بما يخدم مستقبل الإنسان ويصون قيمه، بعيدًا عن الانزلاق نحو العزلة أو الاستغلال.
فيجب توظيف التكنولوجيا بما يخدم الإنسان ويعزز جودة حياته، من دون أن نسمح لها بالتلاعب بوعينا أو انتزاع حقنا في العلاقات الإنسانية الحقيقية بما تحمله من دفء وتواصل.

