بقلم: إسلام الحوت – المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة
مقدمة
مع الانفجار الرقمي وانتشار تطبيق “تيك توك”، ظهر ما يُعرف بـ”التيكتوكرز” – صناع المحتوى الذين يعتمدون على المقاطع القصيرة والبث المباشر للوصول إلى جمهور واسع وتحقيق شهرة سريعة. لكن وراء هذا الوهج، هناك آثار سلبية بدأت تضرب في عمق المجتمع وقيمه، وأصبحت تستدعي وقفة جادة من الجميع.
صناع المحتوى غير الهادف: حين تصبح التفاهة سلعة
انتشر مؤخرًا عدد كبير من التيكتوكرز الذين يسعون إلى جذب المتابعين بأي وسيلة، حتى لو كان ذلك من خلال محتوى خالٍ من القيمة، بل ومسيء أحيانًا.
تجد من يروّج للإسفاف، أو يفتعل المقالب، أو يشارك مشاهد استفزازية تفتقر إلى أي هدف سوى لفت الانتباه وتحقيق “الترند”.
هذا السلوك يُرسّخ في أذهان المتابعين – وخصوصًا المراهقين – أن الشهرة لا تتطلب جهدًا ولا مهارة، بل فقط إثارة الجدل بأي طريقة، ما يُهدد صورة النجاح الحقيقي المبني على العمل والاجتهاد.
اللايفات المباشرة: من الترفيه إلى الانحدار
أما الظاهرة الأخطر فهي “اللايفات المباشرة”، والتي تحولت إلى ساحة لبث الفوضى والانفلات الأخلاقي.
يظهر بعض التيكتوكرز وهم يتشاجرون، أو يتلفظون بألفاظ نابية، أو يستعرضون خلافات شخصية، أو حتى يتسولون الهدايا الرقمية في مشاهد لا تليق بمجتمع محافظ أو واعٍ.
غياب الرقابة الفورية على هذا النوع من المحتوى يفتح الباب أمام عرض مشاهد مسيئة أو خادشة للحياء، في الوقت الذي يتابعها فيه مراهقون وأطفال بلا وعي أو فلترة لما يُعرض أمام الشاشات الصغيرة .
ـ التأثيرات المجتمعية والنفسية
انتشار السلوكيات غير الأخلاقية باعتبارها “عادية” أو “مسلية”.
تشويه قيم النجاح والعمل الجاد.
تشجيع ثقافة الاستسهال والترند اللحظي.
تأثير سلبي على العلاقات الأسرية والترابط المجتمعي.
تقليد أعمى للتيكتوكرز حتى في أسوأ التصرفات.
ما الحل؟ نحو ضبط السلوك الرقمي
لمواجهة هذه الظاهرة، هناك مسؤولية مشتركة بين المجتمع والأسرة والدولة، ويمكن تلخيصها في:
1. تشديد الرقابة على المحتوى المخالف عبر القوانين والمنصات نفسها.
2. نشر الوعي الأسري والتربوي بخصوص متابعة الأبناء للمحتوى الرقمي.
3. تشجيع صناع المحتوى الإيجابي وتقديم نماذج ناجحة تُحتذى.
4. دعم الإعلام الجاد في توعية الشباب بمخاطر التقليد الأعمى والسعي وراء شهرة وهمية.
كلمة أخيرة
تيك توك ليس عدوًا، لكنه سلاح ذو حدين. وبينما يستثمر البعض المنصة في نشر الوعي والمعرفة، يُسخرها آخرون في بث الفوضى والانحدار.
وهنا، يبقى السؤال:
هل سنظل صامتين حتى تتحول الشهرة الرقمية إلى قنبلة تهدد الوعي الجمعي والقيم الأخلاقية؟ أم سنبدأ اليوم في مساعدة الدولة ورجال الأمن في ضبط هذا المسار قبل أن يُفلت تمامًا؟