الأمل في اللِّه نور القلوب

كتبت: دعاء سيد

إنّ الأمل في اللِّه -عز وجل- هو أحد أعظم النعم التيّ منحها الإسلام للبشرية، إنّه المفتاح الذي يفتح قلوب المؤمنين للراحة والسعادة، حتى في أحلك الظروف، عندما يستشعر المؤمن عظمة اللّٰه، ويلتمس رحمته وحكمته يجد في الأمل ملاذًا من اليأس، وطاقة متجددة للسعي والنجاح.

الأمل في اللِّه -عز وجل- ليس مجرد شعور عابر أو رغبة وهمية؛ بل هو اعتقاد عميق في أنّ اللَّه -تعالى- هو العادل الرحيم، الذي يملك خزائن السماوات والأرض، وهو القادر على تحقيق المستحيل، وقد جاء القرآن الكريم ليكون كتاب هداية ورحمة وفيه آيات عديدة تشجع المؤمن على التمسك بالأمل والابتعاد عن القنوط، ومن أبرزها قول اللّٰه -تعالى-:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53)، هذه الآية تعبر عن رحمة اللِّه اللامحدودة، وتؤكد أن التوبة والإيمان يجددان حياة الإنسان مهما كانت ذنوبه وأخطاؤه.

كما قال اللُّه -تعالى-: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(البقرة: 216)،
هذه الآية تعلّمنا الثقة في تقدير اللِّه -تعالى- وحكمته، حتى إن بدا الأمر صعبًا في حينه، فقد يكون الخير فيه مجهولًا لنا، وقال -تعالى- أيضًا:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(الشرح: 5-6)، هذه الآيات تبعث الطمأنينة في قلب المؤمن، وتؤكد أنّ اللَّه -تعالى- لا يبتلي عباده إلا ليكافئهم بعد ذلك باليسر والفرج.

زخر السنة النبوية بالعديد من الأحاديث التيّ تحث على الأمل وتجنب اليأس، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة -رضى اللُّه عنه-، عن النبيِّ (ﷺ):”لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد” (رواه مسلم)، هذا الحديث يبيّن اتساع رحمة اللّٰه التيّ تتجاوز حدود الفهم البشري، ما يغذي الأمل في نفوس الجميع، وفي الحديث القدسي، يقول اللُّه -تعالى-:”أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن بي شرًا فله” (رواه البخاري)، هذا الحديث يدعونا للإيمان بأنّ الظن الحسن باللِّه -سبحانه وتعالى- يفتح أبواب الخير والبركات، وعندما اشتد البلاء بالنبيِّ (ﷺ) وأصحابه، كان يدعو إلى التفاؤل، فقد قال في أحد (ﷺ) المواقف:”إن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسر يسرين”، كلمات قصيرة لكنها تحمل قوة عظيمة؛ لدعم الصابرين وبث الأمل في نفوسهم.

قصة سيدنا يعقوب -عليه السلام- من أروع الأمثلة على الأمل في اللِّه -عز وجل- يعقوب -عليه السلام-، الذي فقد ابنه يوسف لسنوات طويلة، ولكنه ظل مؤمنًا بأنّ اللَّه -تعالى- سيجمعه به يومًا ما، قال -تعالى-:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87)، هذا المثال يعلمنا أنّ المؤمن لا يفقد الأمل أبدًا، مهما اشتدت المحن، كما كان سيدنا أيوب رمزًا للصبر والأمل، فعندما فقد صحته وماله وأهله، ظل مؤمنًا برحمة اللِّه -تعالى- يدعوه متضرعًا قال -تعالى-:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ} (الأنبياء: 83)، فجاءت استجابة اللّٰه سريعًا جزاءً لصبره وأمله، كما جاء في قوله -تعالى-:{فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِۦ مِن ضُرٍّ} (الأنبياء: 84).

الأمل باللِّه يدفع الإنسان للعمل الجاد والسعي لتحقيق أحلامه؛ لأنّه يعلم أنّ اللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملًا كما قال -تعالى-:{وَمَنْ أَرَادَ ٱلْأَخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} (الإسراء: 19)، المؤمن الذي يمتلك الأمل يتجاوز كل عقبة، ويتحول كل فشل إلى درس، وكل محنة إلى منحة.

إنّ الأمل في اللِّه هو أعظم سلاح في مواجهة تحديات الحياة، فهو يُشعر المؤمن بأنّ الحياة مليئة بالفرص، وأن باب الفرج لا يغلق أبدًا، مع اللِّه تبدأ الحكايات وتُحقق الأماني ويصبح المستحيل ممكنًا؛ فلنجعل الأمل في اللِّه رفيقنا الدائم، فهو نور القلوب وسر السعادة في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *