إضطراب الشخصية الوسواسية

كتب: محمد عبد الحليم صالح

يقع اضطراب الشخصية الوسواسية Obsessive personality disorder ضمن المجموعة (C) من اضطرابات الشخصية، وهي تلك المجموعة التي يوصف أصحابها بأنهم مغمورون بمشاعر القلق والخوف الزائد، وغالبًا ما تسيطر إضطرابات الشخصية على مختلف مناحي حياة الفرد بشكل شبه دائم ومستمر وليس نوبة مرضية مثل باقي الأمراض النفسية، فيكون الشخص غير مرن في تعاملاته إلا وفق سمات شخصيته، ولذلك فهي إضطرابات مزمنة تشكل نمطًا لشخصية الإنسان في تفكيره وعواطفه وسلوكياته بما يؤثر سلبًا على حياة الإنسان وتتشكل المعاناة النفسية الداخلية بسببها.
وتتسم الشخصية الوسواسية بأنها الشخصية التي تسعى إلى تحقيق الكمال المُطلَق غير الواقعي، وتهتم بالتفاصيل وتطبيق القواعد والإجراءات لدرجة الملل والسآمة، وغالبًا ما تتسم هذه الشخصية بالتردد في اتخاذ القرارات مخافة الخطأ، ولديها ميل دائم إلى العناد والصدام، وكذلك تتسم علاقتها الاجتماعية بالملل والفتور والتبلد، ولا تقبل كسر القواعد الخاصة بها، بل وتريد من الآخرين أن يسيروا وفق نظامها الخاص في كل كبيرة وصغيرة دون مرونة ودون أدنى اعتبار أو مراعاة لآراء الآخرين ومشاعرهم.
ويختلف اضطراب الشخصية الوسواسية تمامًا عن إضطراب الوسواس القهري (OCD) على الرغم من تشابههما، حيث إن إضطراب الشخصية الوسواسية لا يتضمن الهواجس والاندفاعات والمعاناة من سيطرة الأفعال القهرية التي يتسم بها مريض الوسواس القهري.

(ونجد نسبة انتشار هذا الاضطراب لدى الذكور تفوق نسبة انتشاره لدى الإناث)، ووفقًا لمعايير الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس DSM-5 يتم تصنيف وتشخيص الفرد بهذا الإضطراب في حالة وجود أربع أو

أكثر من العلامات الآتية:
– الكمالية المتطرفة التي تتعارض مع إتمام المهام.
– الإنشغال المفرط بالتفاصيل والنظام والقواعد بشكل يهدر الوقت والجهد.
– المبالغة في الاهتمامات المهنية بشكل ضاغط وغير صحي.
– يحقق نجاحات ولكنه يعاني صراعات نفسية عديدة في سبيل تحقيق ذلك.
– انعدام المرونة.
– لا يجيد الاستمتاع بأوقات الفراغ.
– صعوبة التغاضي عن المسائل السطحية.
– إخضاع الآخرين جبريًا لمعاييره الشخصية.
– التصلب والجمود والعناد بشكل مزعج.
– لا يثق في عمل الآخرين- انعدام الرضا عن النفس بشكل كلي.
وقد يصاحب اضطراب الشخصية الوسواسية اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب، والقلق، واضطرابات النوم والأكل، ومشكلات عدم التوافق مع الآخرين، وضعف الثقة بالنفس بشكل خفي وداخلي في كثير من المواقف، والمرور بنوبات من الغضب الحاد، كما قد يترافق هذا الاضطراب أيضًا مع إضطرابات شخصية أخرى مثل إضطراب الشخصية النرجسية، والتجنبية.
وأما عن الأسباب: فإن شأن هذا الاضطراب شأن كافة اضطرابات الشخصية –كما قلنا سابقًا- غالبًا ما تتضافر العوامل البيولوجية الجينية كاستعداد وراثي، مع العوامل البيئية التي تتمثل في أساليب التنشئة الخاطئة في مرحلتي الطفولة والمراهقة والتي غالبًا ما كانت تميل إلى فرض النظام المثالي غير المرن في أسلوب الحياة، ووضع طموحات مرتفعة تفوق قدرات الأبناء، والاعتماد على أساليب التصلب، والكمالية، والتدقيق التفصيلي، وعدم التسامح أمام ارتكاب الأخطاء، والتعرض للعقاب الشديد عند الوقوع في بعض هذه الأخطاء، وكذلك ربما وجود أحد أفراد الأسرة المقربين ممن يعانون من الكمالية والقلق المرتفع، ومرورًا بما قد تحمله الخبرات البيئية من أحداث صدمية قد تساهم في بروز السمات المضطربة لهذه الشخصية.

وأما العلاج: وكما هو الحال في جميع اضطرابات الشخصية، لايستشعر صاحب هذه الشخصية بوجود مشكلة تستوجب الذهاب للعلاج رغم وجود الاضطراب لديه، وفي حال طلبه للعلاج لا يحدث الشفاء التام من الأعراض، وإنما جهد العلاج بشقيه الدوائي والنفسي يصبو إلى التخفيف من حدة الأعراض، ومحاولة تنمية الوعي الذاتي، والتعديل المعرفي للأفكار، وإكساب المرونة النفسية، وتقبل فكرة الوقوع في بعض الأخطاء، وعلاج التشويهات المعرفية خاصة الكمالية، والتدريب على تعمُّد مخالفة الفكرة المثالية والتعامل المرن مع الأفكار ومقتضيات الحياة الواقعية، والعمل على رفع مستوى الثقة بالنفس، وتقدير الذات، وكذلك التدريب على كيفية اتخاذ القرارات وحسم التردد، والتدريب على تنمية مهارة إدارة الوقت بالشكل الواقعي الفعّال الذي يجمع بين الأنشطة الواجبة والأنشطة السارة الممتعة، وتنمية القدرة على حل المشكلات من خلال النظر إلى الحلول من زوايا متعددة.

وكما أوضحنا، غالبًا ما يتم المزامنة في علاج اضطرابات الشخصية بين العلاج الدوائي والعلاج النفسي؛ حيث يهدف العلاج الدوائي إلى تخفيف وتهدئة أعراض الاكتئاب أو القلق وضبط الجانب المزاجي، ثم يهدف العلاج النفسي إلى تعديل إدراك الواقع وتشكيل استجابات توافقية سليمة وواقعية وذلك انطلاقًا من المدارس العلاجية النفسية، وما ينبثق من هذه المدارس العلاجية من استراتيجيات وفنيات علاجية مدعومة بأدلة الكفاءة والتأثير في علاج اضطرابات الشخصية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *