إذا كسرتك الدنيا..فجبر اللِّه لا يتأخر

كتبت: دعاء سيد

الحياة مليئة بالابتلاءات والمحن، تتقلب فيها القلوب وتضعف فيها النفوس وقد يمر الإنسان بلحظات يشعر فيها بالانكسار واليأس، ولكن تأتي آيات اللَّه كبلسم يشفي القلوب ويوقظ الأمل في النفوس، ومن هذه الآيات العظيمة قوله -تعالى-: {وَلَقدْ مَننا عَليْكَ مَرَةً أُخْرَى}(طه: 37)، وهي تذكير بأن جبر اللُّه لا ينقطع، وأن عطاياه تتكرر وأن رحمته تسبق غضبه، فهو سبحانه يجبر القلوب المكسورة ويغيث العباد في لحظات الضعف والانهيار.

الجبر في اللغة هو الإصلاح والإنهاض بعد الكسر، واللُّه -تعالى- هو “الجبّار”، ومن معاني هذا الاسم الذي يجبر كسر عباده ويغني فقرهم ويقوّي ضعفهم، ولقد تجلت هذه الصفة في مواضع كثيرة من القرآن، ففي سورة الضحى يقول اللُّه -تعالى- للنبيِّ (ﷺ):{وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}(الضحى: 7-8)، فبعد أن كان يتيمًا فقيرًا، منّ الله عليه بالهداية والنبوة والعطاء وهذا أعظم جبر يمكن أن يحظى به بشر، حينما تتكالب الهموم على الإنسان ويظن أن لا مخرج، يتدخل جبر اللَّه بلطفه، كما في قوله -تعالى-:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(الشرح: 5-6)، وكرر اللُّه اليسر مرتين؛ ليؤكد لنا أن بعد كل مشقة هناك فرج وأن بعد كل انكسار هناك جبر من عنده سبحانه.

وقد بيَّن النبيُّ (ﷺ) أن رحمة اللّٰه قريبة من عباده، فقال:”واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا” (رواه الترمذي)، وهذا الحديث فيه وعد واضح بأن جبر اللّٰه آتٍ لا محالة وأن الصبر باب للجبر والفرج، وفي حديث آخر قال رسول اللِّه (ﷺ):”من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب” (رواه أبو داود)، جبر اللُّه -سبحانه وتعالى- يوسف -عليه السلام- بعد أن أُلقِي في الجُبّ وبِيع عبدًا وسُجِن ظلمًا، فقال في النهاية: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} (يوسف: 100)، وقد جمعه اللُّه -تعالى- بأهله ورفع مكانته وكان جبرًا عظيمًا، كما جبر اللُّه -سبحانه وتعالى- موسى -عليه السلام- الذي هرب من فرعون خائفًا يترقب، ثم يقول له اللُّه:{وَلَقدْ مَننا عَليْكَ مَرَةً أُخْرَى}، تذكيرًا بأن اللَّه لم يتركه؛ بل رعاه منذ كان طفلًا في التابوت إلى أن كلمه اللُّه تكليمًا، و أيضًا جبر اللُّه -تعالى- مريم -عليها السلام- في أشد لحظات ألمها وانكسارها وهي تلد وحدها، قال اللُّه -تعالى- لها:{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}(مريم: 25])، جبرٌ مادي ومعنوي في وقت ضعفها.

لكي ننال جبر اللّٰه -تعالى-، علينا أن، نلتزم الدعاء واللجوء الصادق للِّه -عز وجل- ونحسن الظن باللِّه في كلِّ أحوالنا، ونصبر ونثبت ونوقن بأن الفرج قادم، فمهما اشتدت المحن فإن اللَّه -تعالى- {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (الرحمن: 29)، ومن شأنه أن يجبر عباده ويغني فقراءهم ويمسح دموعهم ويكتب لهم الأمل من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *