أهمية دور ريادة الأعمال في تسويق السياحة

بقلم : علاء خليفة

الخبير المصري لتسويق السياحة والمقاصد الدولية وريادة الأعمال العالمية

ريادة الأعمال في تسويق السياحة من التفكير الترويجي التقليدي إلى خلق القيمة وتصميم تجربة جديدة للمقصد السياحي…

شهدت صناعة السياحة خلال العقدين الماضيين تحولات هيكلية وسلوكية عميقة، انعكست بشكل مباشر على دور التسويق. فقد انتقل من وظيفة ترويجية مساندة إلى محرك استراتيجي وريادي يعزز تنافسية المقاصد السياحية ويسهم في خلق القيمة الاقتصادية المستدامة. وتتناول هذه المقالة مفهوم ريادة الأعمال في تسويق السياحة، مع التركيز على التحول من الترويج التقليدي إلى تسويق قائم على التجربة، والسرد القصصي، والابتكار، في ظل بيئة سياحية عالمية شديدة التنافسية.

لم تعد السياحة تعتمد فقط على المقومات الطبيعية أو التراث الثقافي أو البنية التحتية للضيافة. ففي السوق السياحي العالمي اليوم، تتنافس المقاصد على الانطباعات والتجارب والروابط العاطفية بقدر تنافسها على الخصائص المادية. ونتيجة لذلك، تطور تسويق السياحة من نشاط تكتيكي يركز على الإعلان، إلى وظيفة استراتيجية محورية في تطوير المقصد السياحي وبناء صورته الذهنية.

في هذا السياق، برزت ريادة الأعمال في تسويق السياحة كقوة حاسمة تعكس قدرة الأفراد والمؤسسات والمقاصد على الابتكار، واستكشاف الفرص، وتصميم مقترحات قيمة فريدة، والاستجابة الإبداعية لسلوك السائح المتغير. فلم يعد الهدف هو الترويج للأماكن، بل خلق المعنى والتجربة والقيمة طويلة الأمد.

تاريخيًا، اتسم تسويق السياحة بتوجه منتجي تقليدي ركّز على الإعلان عن المعالم والمرافق وزيادة أعداد الزوار عبر حملات جماهيرية قصيرة الأجل. وكان النجاح يُقاس بعدد الوافدين، لا بجودة التجربة أو الأثر الاقتصادي المستدام.

ومع تعقّد الطلب السياحي، فرضت عدة عوامل تحولًا جوهريًا في الممارسة التسويقية، من أبرزها تصاعد المنافسة العالمية، وسهولة وصول السائح إلى المعلومات، ونمو السياحة التجريبية، والتحول الرقمي. وقد استدعى ذلك اعتماد نهج متكامل يربط بين بناء العلامة التجارية للمقصد، وتصميم التجربة، وتنسيق أصحاب المصلحة.

تشير ريادة الأعمال في تسويق السياحة إلى توظيف الفكر الريادي والابتكار في الأنشطة التسويقية، من خلال تطوير نماذج جديدة، وإعادة تعريف القيمة، وتغيير طريقة تفاعل المقاصد مع الأسواق. ويتميز هذا النهج بالابتكار، والتركيز على التجربة، وخلق قيمة طويلة الأجل، والقدرة على التكيف مع تغيرات السوق، بما يجعل تسويق السياحة نشاطًا رياديًا قائمًا بذاته.

لماذا يُعد تسويق السياحة مجالًا خصبًا للريادة؟

أصبح السائح المعاصر أكثر وعيًا واتصالًا، ويبحث عن الأصالة والتخصيص والقصص ذات المعنى، بدلًا من المنتجات السياحية الموحدة. كما أسهم التحول الرقمي في خفض حواجز الدخول، وفتح المجال أمام الشركات الناشئة والأفراد للابتكار في المحتوى، والسرد القصصي، والتسويق عبر المؤثرين، وإدارة تجربة الزائر.

في المقابل، لا يزال تسويق السياحة في كثير من المقاصد تقليديًا وبطيئًا في التكيف، ما يخلق فجوات حقيقية يمكن للفاعلين الرياديين سدّها عبر نماذج مرنة واستراتيجيات تتمحور حول التجربة.

من الترويج إلى الابتكار

يختلف تسويق السياحة الريادي عن التقليدي في كونه موجهًا نحو الابتكار بدلًا من الترويج، ويركز على التجربة بدلًا من المنتج، ويهدف إلى خلق قيمة طويلة الأجل بدلًا من حملات قصيرة المدى. وهو بذلك ينقل السؤال من:

تتجلى ريادة الأعمال في تسويق السياحة في مجالات متعددة، أبرزها بناء العلامة التجارية للمقصد، والتسويق الرقمي القائم على المحتوى، وتسويق التجربة السياحية، والحلول التقنية مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي وتحليلات البيانات، والتي تسهم جميعها في تحسين كفاءة التسويق وجودة تجربة الزائر.

الأثر والتحديات

يسهم التسويق السياحي الريادي في زيادة إنفاق الزائر، وإطالة مدة الإقامة، ودعم المشروعات الصغيرة، وتعزيز الاستدامة والمرونة الاقتصادية للمقاصد. ورغم ما يواجهه من تحديات مثل موسمية الطلب، والأزمات، ومقاومة الابتكار، وضعف البيانات في بعض الأسواق، فإن مرونته وقدرته على التكيف تجعله أكثر فاعلية في مواجهة هذه التحديات.

ستعتمد تنافسية المقاصد السياحية مستقبلًا على السرد الأصيل، وتصميم التجربة المتكاملة، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، والتسويق المسؤول والمستدام. فريادة الأعمال في تسويق السياحة لم تعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لخلق قيمة حقيقية وبناء علاقات طويلة الأمد مع الزائر.

فالمقاصد الناجحة في المستقبل لن تكون فقط تلك التي تمتلك أكبر عدد من المعالم، بل تلك التي تروي أصدق القصص، وتقدم أعمق التجارب، وتبتكر في كيفية خلق القيمة والتواصل معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *