كتبت: دعاء سيد
سورة يوسف من السور المكية التيّ نزلت في فترة عصيبة من حياة النبيِّ (ﷺ)، تُعرف بسورة الحزن، فحين توفيت زوجته خديجة- رضي الله عنها- وعمه أبو طالب، جاءت السورة تسليةً للنبيِّ الكريم، وقصّت عليه قصة نبيّ اللّٰه يوسف -عليه السلام- بأسلوبٍ بديعٍ فريد، حتى سمّاها اللُّه -تعالى- “أحسن القصص”، قال اللُّه -تعالى-:﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ (يوسف: 3)، لما تحمله من عِبرٍ عظيمة وحكمٍ باهرة ومشاهد مؤثرة.
سُميت السورة باسم “يوسف” نسبةً إلى نبيِّ اللِّه يوسف -عليه السلام-، الذي كان له نصيب الأسد من أحداثها، حيث قص اللُّه -سبحانه وتعالى- فيها تفاصيل حياته من الطفولة حتى توليه خزائن الأرض، وجاء وصف القصة بأنها “أحسن القصص” لعدة أسباب، منها: اكتمال جوانب القصة من محنٍ وابتلاءاتٍ ثم نصرٍ وتمكينٍ، وتداخل المشاعر الإنسانية كالغيرة والظلم والصبر والغفران والوفاء، وأسلوب العرض البليغ الذي يجمع بين التشويق والتعليم، وكثرة العبر والدروس التيّ تخاطب جميع فئات الناس.
تبدأ القصة برؤيا يوسف -عليه السلام- وهو طفل، حين قال:
﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ (يوسف: 4)، فأخبر والده يعقوب -عليه السلام- الذي أوصاه بكتمان رؤياه:﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ (يوسف: 5)، واشتعلت الغيرة في قلوب إخوة يوسف من محبة أبيهم له، فدبروا مكيدةً وألقوه في غيابات الجب، ثم كذبوا على أبيهم، وقالوا كما ورد في القرآن الكريم:﴿ وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ﴾ (يوسف: 18)، ثم بيع يوسف بثمنٍ بخس كما قال اللُّه -تعالى-:﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ﴾ (يوسف: 20)، وانتهى به المطاف في بيت عزيز مصر، حيث بدأ اختبار جديد من نوع آخر، فراودته امرأة العزيز عن نفسه فرفض بعفةٍ وشرف، قال اللُّه -تعالى-:﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ ﴾(يوسف: 23)، ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ﴾ (يوسف: 23)، مما أدى به إلى السجن ظلمًا.
في السجن، لم ينشغل يوسف -عليه السلام- بهمومه الشخصية فقط؛ بل دعا إلى اللِّه -تعالى- بكلِّ حكمةٍ ولين، قال اللُّه -تعالى- على لسانه:﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾(يوسف: 39)، ثم جاء تفسيره لرؤيا ملك مصر:﴿ قَالَ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ﴾ (يوسف: 46)، فكانت سببًا في خروجه من السجن وتمكينه في الأرض، قال اللُّه -تعالى-:﴿ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ﴾ (يوسف: 56)، وبعد سنوات من الفراق، اجتمع شمل الأسرة ورفع يوسف أبويه على العرش وتحققت رؤياه، قال اللُّه -تعالى-:﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ ﴾ (يوسف: 100).
الصبر مفتاح الفرج، فقد صبر يوسف -عليه السلام- في البئر والسجن حتى جاءه التمكين، وقال النبيُّ (ﷺ):”واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”
(رواه الإمام أحمد)، أما الإيمان باللِّه -عز وجل- فيقود للنجاة حتى في أصعب الأزمات، كما قال اللُّه -تعالى-:﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ (الشرح: 5)، كما أن العفو عند المقدرة من أسمى صفات المؤمنين، كما فعل يوسف -عليه السلام- حين قال لإخوته:﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ (يوسف: 92)، فتدبير اللُّه -تعالى- فوق تدبير البشر، قال اللُّه -تعالى-:﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ (يوسف: 21).
سورة يوسف ليست مجرد قصة تروى؛ بل هي مدرسةٌ متكاملةٌ في الإيمان والصبر والثقة باللِّه -عز وجل-، تعلمنا أن المصاعب مهما عظُمت فهي زائلة، وأن بعد الشدة يأتي الفرج.