كتبت: دعاء سيد
ليلة القدر هي أعظم ليلة في العام، خصّها اللُّه -سبحانه وتعالى- بفضلٍ عظيم وجعلها خيرًا من ألف شهر، فهي ليلة الرحمة والمغفرة، تتنزل فيها الملائكة ويُكتب فيها مصير العباد للسنة القادمة، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ ليُبيّن عظمتها وأجرها العظيم.
خصّ اللُّه -سبحانه وتعالى- ليلة القدر بسورة كاملة في القرآن الكريم وهي سورة القدر، حيث قال اللُّه -سبحانه وتعالى-:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (سورة القدر: 1-5)، تشير هذه الآيات إلى عظمة الليلة، حيث أنزل اللُّه -تعالى- فيها القرآن الكريم هدايةً للبشر، وهي خير من ألف شهر، أي أن العبادة فيها تعادل عبادة أكثر من 83 سنة، كما أنها ليلة سلامٍ وأمانٍ حتى طلوع الفجر، وفي موضعٍ آخر قال اللُّه -تعالى-:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (الدخان: 3-4)، وهذا يدل على أنها ليلة عظيمة تتنزّل فيها الأقدار وتُكتب فيها مقادير السنة القادمة بأمر اللِّه -عز وجل-.
وردت في السنة النبوية الشريفة أحاديث كثيرة عن فضل ليلة القدر وتحريها في العشر الأواخر من رمضان، قال رسول اللّٰه (ﷺ): “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه” (متفق عليه)، يدل الحديث على أن من قام هذه الليلة بالصلاة والذكر والعبادة مخلصًا للِّه -عز وجل-، نال مغفرة الذنوب، وكان النبيُّ (ﷺ) يجتهد في العشر الأواخر من رمضان أكثر من غيرها، فعن عائشة -رضى اللُّه عنها- قالت: “كان رسول اللّٰه (ﷺ) إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله” (متفق عليه)،
أي أن النبيَّ (ﷺ) كان يضاعف جهوده في العبادة ويحثّ أهل بيته على اغتنام هذه الليالي المباركة، كما سألَتْ السيدة عائشةُ -رضى اللُّه عنها- النبيَّ (ﷺ): “يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟” فقال: “قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني” (رواه الترمذي)، وهذا يدل على أهمية الدعاء في هذه الليلة، خاصةً طلب العفو والمغفرة من اللِّه -سبحانه وتعالى-.
ذكر النبيُّ (ﷺ) بعض العلامات التيّ تُميز ليلة القدر، ومنها الطمأنينة والسلام، حيث يشعر المؤمن براحة وطمأنينة في هذه الليلة، وصفاء الجو واعتدال الطقس، فلا تكون حارةً ولا باردة، وشروق الشمس بلا شعاع في صباح اليوم التالي، كما جاء في حديث أبي بن كعب -رضى اللُّه عنه-: “أنها تطلع يومئذٍ لا شعاع لها” (رواه مسلم)؛ لأنها ليلة عظيمة، ينبغي على المسلم اغتنامها بالإكثار من الصلاة، خاصةً قيام الليل والتراويح، وبالإلحاح في الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبّره، والااستغفار وطلب العفو من اللِّه -سبحانه وتعالى-، والإحسان إلى الفقراء والمحتاجين.
ليلة القدر هبة عظيمة من اللِّه -سبحانه وتعالى- لعباده، فهي فرصةٌ لمحو الذنوب وزيادة الحسنات؛ لذا يجب على كلِّ مسلم أن يجتهد في تحرّيها في العشر الأواخر من رمضان، وأن يُكثر فيها من الطاعات، فربما تكون سببًا في تغيير حياته للأفضل ونيله رضا اللَّه -تعالى- ومغفرته، فاللهم بلغنا ليلة القدر، ووفقنا فيها لما تحب وترضى.