بقلم: الدكتوره هويدا عزت
كاتبة وباحثة في العلوم الإدارية وفلسفة الإدارة
هل تخيلت يومًا أن ثقتك بنفسك يمكن أن تغير مجرى حياتك المهنية؟
يروي مصطفى أمين في مذكراته، قصة مؤثرة عن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، حينما تعرضت لتجربة هزت ثقتها بنفسها، فبعد ترشيحها لدور “آمنة” في فيلم “دعاء الكروان”، استقبلها عميد الأدب العربي طه حسين، متسائلًا عن قدرتها على فهم الدور “خرجت فاتن من عند طه حسين باكية مجروحة مطعونة.. وراحت تقول لمنتج الفيلم “لماذا اخترتموني للبهدلة؟” مشيرًا إلى أنه تم تصوير الفيلم وعُرض في عرض خاص حضره عميد الأدب العربي وقرينته وابنه وابنته، وفور انتهائه فوجئت فاتن بقول حسين: “إن خيالي وأنا أكتب صورة آمنة في القصة هو بالضبط الذى قمت به”، فخرجت سيدة الشاشة العربية وهى أسعد امرأة في العالم.
هذه القصة تذكرنا بأن آراء الآخرين قد تؤثر علينا، ولكن قرار النجاح أو الفشل يبقى بيدنا نحن، فاتن حمامة أثبتت أن الإيمان بقدراتنا من خلال ثقتها بنفسها هو أقوى سلاح لمواجهة التحديات.
فقد تخيل شخصًا يتحدث أمام جمهور كبير بثقة وحماس، ويقنع الجميع بفكرته، هذه هي القوة التي تمنحنا إياها الثقة بالنفس، هل تشعر بالثقة الكافية لعرض وجه نظرك؟ هذا ما فعله ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل، عندما أطلق أول جهاز آي بود، تعرض لانتقادات لاذعة وإحباطات، ولكن إيمانه بمنتجه ورؤيته المستقبلية دفعه للاستمرار، اليوم، أصبحت آبل واحدة من أكبر الشركات في العالم.
قصة جوبز تذكرنا بأن الثقة بالنفس سلاحنا الذي يدفعنا لتحقيق أحلامنا، مهما كانت التحديات التي تواجهنا، ولكن كيف يمكننا تطوير هذه المهارة الهامة؟ في هذا المقال، سنتعرف على أهمية الثقة بالنفس خاصة في عالم الأعمال، وكيف يمكننا بناء هذه الثقة خُطوة بخُطوة.
يؤكد ريتشارد ديني في كتابه “انجح من أجل نفسك” أن أشد ما يحطم الروح ليس الجوع، بل فقدان الأمل والثقة بالنفس، ففي هذا المشهد المؤلم، نرى إنسانًا قد استسلم للحياة، وبات عاجزًا عن رؤية مستقبل مشرق، لذا، فإن التمسك بالأمل والثقة بالنفس هو بمثابة شمعة تضيء لنا الدرب في أشد الظلمات، فهو الوقود الذي يدفعنا إلى الأمام لتحقيق أحلامنا.
ويعتبر فقدان الثقة بالنفس أكبر عائق يحول بيننا وبين النجاح، فكما أننا لا نستطيع العيش بدون طعام، فإننا لا نستطيع تحقيق أي تقدم في حياتنا بدون إيمان بقدراتنا، لذلك، يجب علينا أن نعمل باستمرار على بناء ثقتنا بأنفسنا، وأن نتذكر أن النجاح يتطلب الصبر والمثابرة والإيمان بأننا قادرون على تحقيق أي هدف نصبو إليه.
فالثقة بالنفس ليست سوى مهارة يمكنك اكتسابها وتطويرها، حيث توصلت الأبحاث العلمية إلى أن الثقة بالنفس ليست صفة فطرية يولد بها الإنسان، بل مهارة قابلة للتطوير، يمكن تطويرها من خلال البحث عن الذات والتعرف على نقاط القوة الفردية، وتنمية المهارات، والاحتفاء بالإنجازات.
هذه العمليات التفاعلية تُساهم في بناء صورة ذاتية إيجابية وقوية تعزز إيماننا بقدراتنا، وتخلق حالة نفسية إيجابية تتمثل في الاعتقاد الراسخ بقدرات الفرد، ومهاراته، وقدرته على تحقيق أهدافه، والتغلب على التحديات، مما ينعكس إيجابًا على حياتنا بشكل عام.
ومن ناحية أخرى، قد تتأثر ثقتنا بأنفسنا بعوامل نفسية مُتعددة، مثل الخوف من الفشل، والنقد الذاتي المفرط، هذا الخوف قد يدفعنا لتجنب المخاطرة ويمنعنا من تحقيق إمكاناتنا الكاملة، بالإضافة إلى النقد الذاتي المُستمر، بدوره يضعف ثقتنا بأنفسنا ويمنعنا من رؤية إيجابياتنا.
كما تلعب التربية، والتنشئة الاجتماعية، والبيئة التي نشأنا فيها دورًا كبيرًا في تشكيل ثقتنا بأنفسنا، حيث قد يؤدي الدعم الإيجابي من الأهل والمحيطين إلى تعزيز الثقة بالنفس، بينما قد يؤدي النقد المستمر والتقليل من شأن الإنجازات إلى إضعافها.
وفي مجال الأعمال تعتبر الثقة بالنفس عنصرًا حيويًا داخل بيئة العمل، حيث تؤثر بشكل كبير على أداء الأفراد ونجاح المؤسسات، فالأشخاص الواثقون من أنفسهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر إنتاجية وفعالية، حيث يشعرون بالدافع لتحقيق أقصى استفادة من قدراتهم، كما أن الثقة بالنفس تساعد الأفراد على اتخاذ قرارات أفضل، وحل المشكلات بشكل أكثر فعالية، مما يؤدي إلى تحسين جودة العمل بشكل عام.
وقد توصل الباحثين في أداب العلوم الاجتماعية والإدارية إلى أن الأشخاص الواثقون من أنفسهم يكونون أكثر تفاعلاً مع زملائهم، مما يُساهم في بناء علاقات عمل إيجابية وبيئة عمل أكثر تعاونًا، هذا فضلًا عن أن الثقة بالنفس تشجع الأفراد على طرح أفكار جديدة ومُبتكرة، وعدم الخوف من المخاطرة، مما يُساهم في تطوير الأعمال وتحقيق النجاح.
كما أن الأشخاص الواثقون من أنفسهم يكونون أكثر قدرة على التعامل مع الضغوط والتحديات التي تواجههم في العمل، حيث يرونها كفرص للنمو والتطور.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن تعزيز الثقة بالنفس في بيئة العمل؟
بما أن الثقة بالنفس هي عنصر أساسي لتحقيق النجاح في بيئة العمل، فهي قابلة للتطوير والتعزيز، وذلك من خلال اتباع الإستراتيجيات المُناسبة، حيث أشارت نتائج أحد الدراسات أن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها تعزيز الثقة بالنفس في بيئة العمل، منها: تحديد الأهداف الواقعية، حيث يساعد تحديد الأهداف الواقعية وقابلة للتحقيق على بناء الثقة بالنفس تدريجيًا، والتدريب والتطوير المستمر، مما يساعد على اكتساب مهارات جديدة وتعزيز الثقة بالنفس.
الثقة بالنفس هي أكثر من مجرد شعور، إنها قوة دافعة تقودنا نحو تحقيق أحلامنا، فهي لا تؤثر فقط على أدائنا في العمل، بل تشكل أيضًا هويتنا وعلاقاتنا مع الآخرين.
بناء الثقة ليس بالأمر السهل، ولكنه يستحق الجهد، من خلال تحديد نقاط قوتنا والعمل على تطويرها، وتقبل نقاط ضعفنا كفرص للنمو، يمكننا بناء ثقة قوية تدعمنا في مواجهة تحديات الحياة.
وفي النهاية يمكن القول، أن فقدان الأمل أشد وطأة من أي مصيبة أخرى؛ فالشخص الذي يفقد ثقته بنفسه يشبه السفينة التائهة في البحر بلا بوصلة، لذلك، علينا أن نزرع في أنفسنا بذور الأمل والثقة، وأن نعتمد على قدراتنا الداخلية لتحويل أحلامنا إلى واقع؛ فالحياة مليئة بالتحديات، ولكن بالإيمان بأنفسنا يمكننا التغلب على أي صعوبة، فقد تذكر، أنت المسؤول الأول عن سعادتك ونجاحك، فاستثمر في نفسك وسترى النتائج.