كتبت: دعاء سيد
الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الصلة المباشرة بين العبد وربه، إذ يقف المسلم فيها بين يدي الرحمن الرحيم، مستشعرًا عظمته وكرمه، هذه اللحظات هي الفرصة الحقيقية للمؤمن؛ ليكون قريبًا من خالقه متوجهًا إليه بصدق قلبه وحضور ذهنه، لا بمجرد كلمات يرددها اللسان.
اللُّه -عز وجل- وصف نفسه بالرحمن، وهي صفة تدل على الرحمة الواسعة التيّ تشمل جميع مخلوقاته، وقد ذكر اللُّه -سبحانه وتعالى- هذه الصفة في أول سورة في القرآن: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة: 1)، فحين يقف العبد للصلاة يتذكر أنّ اللَّه رحمن رحيم، يغفر الذنوب ويقبل التوبة ممن أقبل عليه بصدق.
ومن دلائل رحمة اللِّه في الصلاة أن جعلها طُهرة للنفس وقربة له؛ قال النبيُّ (ﷺ): “أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟” قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال (ﷺ): “فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو اللُّه بهن الخطايا” (رواه البخاري).
الصلاة الحقيقية ليست مجرد حركات بدنية أو كلمات تُتلى؛ بل هي تفاعل روحي عميق بين العبد وربه، يقول اللُّه -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1-2)، فالخشوع في الصلاة هو أن يكون القلب حاضرًا، مستشعرًا عظمة اللّٰه، ومنصرفًا عن كلِّ ما يشغله من أمور الدنيا.
وقد وصى النبيُّ (ﷺ) بذلك حين قال: “إن الرجل لينصرف، وما كُتب له إلا عُشر صلاته، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها، نصفُها” (رواه أبو داود)، وهذا يدل على أهمية حضور القلب؛ لأنّه روح الصلاة وأساس قبولها.
حين يدخل العبد في الصلاة، يبدأ بقول “اللّٰهُ أكبر”، وكأنّه يعلن أنّ كلَّ شيء في الدنيا صغير أمام عظمة اللِّه، ثم يبدأ بتلاوة سورة الفاتحة، التيّ يتجلى فيها ذكر صفة الرحمن: “الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ” (الفاتحة: 2-3)؛ ليغرس في قلب المصلي شعورًا بالرهبة والمحبة والرجاء.
وقد أرشدنا النبيُّ (ﷺ) إلى استشعار هذه المعاني بقوله (ﷺ): “إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يناجي ربه” (رواه البخاري)، فكيف لا يحضر قلب المؤمن وهو يعلم أنّه يناجي الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء؟
قال اللُّه -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، فذكر اللُّه في الصلاة يزيد السكينة والراحة النفسية، واستشعار عظمة الرحمن يدفع المصلي إلى الخضوع له، كما قال -تعالى-: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (مريم: 58)، النبيُّ (ﷺ) قال: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” (رواه مسلم).
الصلاة هي اللحظة التيّ تتلاقى فيها رحمة الرحمن مع خشوع العبد، وهي فرصة للمؤمن أن يجدد إيمانه ويتطهر من ذنوبه، ويعيش حالة من السلام والسكينة، فليكن قلبك حاضرًا في الصلاة قبل أن ينطق لسانك، وتذكر أنك واقف بين يدي الرحمن الرحيم الذي يعلم سرك ونجواك، وينتظر منك دعاءً وخضوعًا بقلبٍ محب خاشع.