كتبت : مروة مرسي
انفرد جنوب مصر علي مر العصور بميزة حضارية ليس لها مثيل، فهو مبدأ الحضارات، وخير أراضي مصر، أرض الأصالة والعراقة، كل جزء في صعيد مصر شاهد علي حدث أثري عظيم، وعلي الرغم من ضخامة وكثرة ما اكتشفناه من أثار علي أرضها هناك أيضا جزء كبير لم يُكتشف بعد، فهي أرض خصبة مليئة بالعديد من الأثار عطاءة تحوي في باطنها تاريخ حافل من الإنجازات التي تعتبر خير شاهد ودليل علي عظمة المصري القديم .
وإلي واحده من أهم وأعظم محافظات الجنوب .. المنيا عروس الصعيد والتي تحتوي علي أفضل القري والتي اختارها المصريون القدماء لتكون أرض البعث بمدينة ملوي وهي قرية “تونا الجبل”
تونا الجبل لقب أطلق علي إحدي قري الجنوب وترجع فكرة تسميتها بهذا الإسم من كلمة تا -ونت أو تا -حنت ، بمعني أرض البحيرة المقدسة أو أرض البركة، واشتقت كلمة تونا من وتا _ونس ونُسبت إلي الجبل ذلك لوقوعها في أحضانه.
تونا الجبل تعتبر من أهم المناطق السياحية والأثرية بمحافظة المنيا ، تلك المنطقة التى كانت خير شاهد ودليل علي العديد من الحفائر، وتضم عدد كبير من السراديب خ، تقع تونا الجبل غرب ملوى بحوالى 18كم، وقد أطلق على تونا الجبل مدينة الموتى لأنها اختيرت في العصر البطلمى المتأخر لتكون مقابر الإقليم الـ15بدلا من الشرق هربا من فيضان النيل ونباشى القبور، وتتميز تونا الجبل بعوامل كثيره على أساسها جاء اختيارها لتكون هى الأرض التى تصون وتخلد وتبقى إلى الأبد، وأيضا اختيرت لتكون مقابر الأيبس والبابون وهما رمزى المعبود جحوتى إله الحكمة والمعرفة، وكان تحوت هو رب الكلمات المقدسة والمراسيم والأرقام والحروف، عند القدماء المصريين وقد كان المركز الرئيسى لعبادته مدينة الأحياء شمنو أو خمنو هيرموبوليس “الاشمونين”.
تضم تونا الجبل سراديب عديدة يطغي عليها طابع الغموض والاثاره ، والتى قد اكتشفها العالم الاثرى سامى جبره سنة 1937 ، وتعتبر أحد المزارات الرائعة بالمنطقة الأثرية، وأضاف أن هذه السراديب من عهد البطالمة وهى مقابر للطيور والحيوانات المقدسة وهناك جزء فى السراديب يسمى الجزء اليونانى الرومانى وفيه حجره تسمى حجرة الاله نوت ربت السماء .
يوجد بتونا الجبل مقابر لقردة البابون وصقور وطيور أبي منجل المقدسة للإله “تحوت”، إضافة إلى جبانة مدينة هيرموبوليس، ومقبرة بيتوسريس الكاهن الأكبر للإله تحوت المكتشفة سنة 1919م، والتي ترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد.
وتعتبر منطقة آثار تونا الجبل، من أهم المناطق الأثرية، حيث تشتهر بأنها جبانة الإقليم الخامس عشر من أقاليم مصر العليا، وعاصمتها الأشمونين، وتحوى الكثير من آثار العصر اليونانى الرومانى، مثل مقبرة الكاهن بيتوزيرس وسراديب دفن الطيور والحيوانات المقدسة وكذلك الجبانة الرومانية المعروفة بالبيوت الجنائزية والساقية الرومانية ومقبرة إيزادورا.
“مقبرة ومصلى إيزادورا”
تعود فكرة وجود هذه المقبرة إلي إيزادورا وهي شابة ثرية وجميلة كانت تعيش في هيرموبوليس في القرن الثاني الميلادي، وقعت في حب جندي شاب من أنطينوبولس، وأرادوا الزواج. لكن أبوها رفض، لذلك قرر الشابان الهرب. لسوء حظهما، غرقت إيزادورا أثناء عبورها النيل. تم تحنيط جسدها، وقام والدها ببناء قبر متقن لها. تحتوي مقبرتها على قصيدة من 10 أسطر منقوشة باليونانية. في وقت ما بعد وفاتها، أصبح القبر مزارًا دينيًا، لا تزال بقايا إيسادورا المحنطة موجودة ومغطاة بالزجاج في ضريحها – وهو مبنى بارز في تونة الجبل.
“معارض الحيوانات المقدسة”
أجرى أندريه جومبرت حفريات لمقبرة بين سنتي 1902-1903م، بتكليف من المعهد الفرنسي للآثار الشرقية. وفي سنة 1919م، تم الإعلان عن اكتشاف قبر بيتوسيريس. وأعيد استكشافه في العام التالي بواسطة غوستاف ليفبفر. بين سنتي 1931-1951م، قام فريق من جامعة القاهرة برئاسة سامي جبرا بفحص جميع المقابر حول مقبرة بيتوسيريس، ونُقلت التحف المكتشفة إلى المتحف المصري في القاهرة. وبين سنتي 1972-1974م، كلف المعهد الأثري الألماني كل من غونتر غريم وديتر كيسلر لتوثيق مباني وآثار المقبرة في متحف ملوي. ومنذ سنة 2017م، تم اكتشاف العديد من المومياوات. وفي فبراير 2019م، تم الإعلان عن اكتشاف مقبرة فرعونية تحتوي على أكثر من 40 مومياء وآثار خزفية.
والجدير بالذكر أن تونا الجبل تحمل حدثًا عظيمًا وهو وجود استراحة عميد الأدب العربي طه حسين، واستقبلت كبار السياسيين والأدباء والفنانين على أرضها ومنها انطلقت دعوة التوحيد .
“سراديب الغموض تبوح بأسرارها”
وتحفل المنطقة الجبلة المتاخمة لتونا الجبل، بعشرات من السراديب المحفورة في باطن الجبال، وهو ما يضفي عليها مزيداً من الغموض، لم تبدده بعد عشرات من الاكتشافات الأثرية التي أعلن عنها مؤخراً في مصر، إذ يرجع تاريخ حفر كثير من هذه السراديب إلى عهد البطالمة وعثرت بها على عشرات من المقابر الخاصة بالطيور والحيوانات المقدسة، قبل أن تتوصل إحدى البعثات الأثرية العاملة في المنطقة قبل عقود، إلى مقبرة كبير الكهنة «عنخ حور»، والذي يصنف باعتباره واحداً من أهم كهنة المعبد في العصر الفرعوني القديم، إذ كان يعد الكاهن المسؤول عن تطهير وتحنيط وتكفين ودفن تلك الطيور، ويتولى القيام بالطقوس الجنائزية أثناء أعمال الدفن، ويقول العديد من الأثريين أن عنخ حور ربما يكون الآدمي الوحيد، الذي دفن في سرداب بناء على طلبه.
وأطلق العديد من الآثريين المصريين على سراديب تونا الجبل، اسم معبد الأرواح السامية، وذلك بعدما كشفت الحفريات في المنطقة، عن العديد من مقابر الطيور والحيوانات، وفق الميثولوجيا الفرعونية القديمة.
لم تتوقف الاكتشافات الأثرية في تونا الجبل عند حد العثور على تلك السراديب الغامضة والمقابر المنحوتة في الصخر، لكنها امتدت للكشف عن أول بردية كاملة، تم العثور عليها في منطقة الغريفة، وهي تعد الأضخم بين البرديات التي عثر عليها خلال القرن المنصرم، إذ يبلغ طولها ما بين 13 إلى 15 متراً تقريباً، وتضم البردية النادرة نصوصاً من كتاب الموتى، وتتميز بأنها في حالة جيدة من الحفظ، وهو ما دفع وزارة السياحة والآثار في مصر، إلى ضمها للمقتنيات المقرر عرضها بالمتحف المصري الكبير.