كتبت: دعاء سيد
تُعدّ آية النور من أعظم آيات القرآن الكريم وأكثرها بلاغة وروعة وهي الآية الخامسة والثلاثون من سورة النور، يقول اللُّه -تعالى-:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ۚ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، افتتحت الآية بتقرير حقيقة عظيمة وهى أنّ “الله نور السماوات والأرض”، واختلف المفسرون في معنى “نور” فمنهم من قال: هو هادي أهل السماوات والأرض، ومنهم من قال: هو منورهما بنوره، ومنهم من قال: هو خالق النور فيهما، وكلّ تلك المعاني صحيحة من حيث المعنى العام، فاللُّه -سبحانه وتعالى- هو النور الحقيقي ومصدر كلّ هدى وبصيرة، النور هنا لا يقتصر على المعنى الحسي الملموس؛ بل يتجاوز إلى المعنى المعنوي فهو نور الهداية والإيمان ونور الفطرة ونور العقل الذي به تميز الخلق بين الحق والباطل.
ثم يضرب اللُّه -تعالى- مثلًا لنوره في قلوب المؤمنين، فيقول: “مثل نوره كمشكاة فيها مصباح” والمشكاة هي الكوة في الجدار التيّ لا منفذ لها، يوضع فيها المصباح فيكون ضوؤه مركزًا مشعًا، فاللُّه يضرب المثل بهذا النور الداخلي الذي يكون في قلب المؤمن، “المصباح في زجاجة” أي أن هذا النور في وعاء صافٍ والزجاجة هنا شفافة ونقية، تعكس الضوء وتزيده إشراقًا، ثم يصفها بأنها “كأنها كوكب دري” أي مضيئة براقة تشبه النجوم اللامعة في السماء.
ثم يشير إلى مصدر إشعال هذا المصباح، “يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية” الشجرة الزيتونة في بيئة العرب معروفة بصفاء زيتها وجودته، وتفسير “لا شرقية ولا غربية” أنها شجرة واقعة في مكان تتعرض فيه لأشعة الشمس طول النهار فهي في منتهى النضج والإشراق، “يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار” هذا تصوير بالغ في قوة النور، فالزيت من صفائه ولمعانه يكاد يتوهج من ذاته حتى قبل أن يُشعل، فما بالك إذا اشتعل وازداد نورًا.
ثم تأتي العبارة الجامعة “نور على نور” هذا التعبير يوحي بتكامل وتراكم الأنوار، نور الفطرة ونور العقل ونور الإيمان ونور الوحي، كلها تلتقي لتشكل في قلب المؤمن بصيرة وهداية لا يضلّ معها أبدًا، إنها إشراقة ربانية لا تأتي إلا من اللِّه -عز وجل-، وليس كلّ أحد يُمنح هذا النور؛ بل هو هبة من اللِّه -سبحانه وتعالى- يهدي بها من يشاء من عباده، وهذا يُذكّرنا بأنّ الهداية لا تُنال إلا بتوفيق من اللِّه، وأنّ النور الحقيقي لا يُشترى ولا يُكتسب بالحواس؛ بل هو ثمرة الإخلاص والتقوى وطلب الحق.
تُختم الآية ببيان علم اللِّه المحيط، “والله بكلِّ شيءٍ عليم”، فيعلم من يستحق هذا النور ومن هو أهله ومن يحمل في قلبه الاستعداد لتلقي هذا النور الرباني، فآية النور ليست مجرد تصوير بلاغي بديع؛ بل هي خريطة روحية ترشد المؤمن إلى السموّ بالنفس وتطهير القلب؛ ليكون مرآة صافية تعكس نور اللَّه، فكلما طهر القلب من الشهوات والشبهات، زاده اللُّه نورًا على نورٍ وهداه إلى الصراط المستقيم، فهى دعوة لأنّ يكون القلب كمشكاة مضيئة، تتلقى النور من السماء وتحمله إلى من حولها، فتكون مصباحًا في ظلمة الحياة ووسيلة لهداية الآخرين بإذن الله.